لبنانيون في السجون القبرصية: عفو عام أو تصعيد؟
قد لا تتسع حقيبة اليد التي يحملها الهاربون من الوطن بسبب الظروف الإقتصادية على الزوارق غير الشرعية للأحلام التي يرسمونها عند وصولهم إلى أحد الشواطئ الأوروبية.
قلة من هؤلاء وطأت أقدامهم رصيف الأمان وهم يقبعون اليوم في "مخيمات" أستحدثتها الدول التي باتت موطن المهاجرين غير الشرعيين لا سيما منها إيطاليا واليونان وقبرص . إلا ان الأخيرة تحولت إلى سجن المهاجرين غير الشرعيين من لبنان. وتشير آخر الإحصاءات إلى وجود حوالى 200 لبناني في سجون قبرص منهم 30 شخصاً من ببنين العكارية، ينتظرون تسويات أو توجّه الحكومة اللبنانية لإعادتهم من جديد إلى لبنان.
التدابير التي اتخذتها السلطات القبرصية جاءت على خلفية تفاقم أعداد المهاجرين غبر الشرعيين من الجنسيات اللبنانية والسورية من دون أن تتخذ الحكومة اللبنانية أي خطوات عملانية للحدّ من هذه الظاهرة الخطيرة وهذا ما دفع بالرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس لزيارة لبنان ولقاء مسؤولين للبحث في مسألة الهجرة غير الشرعية إلى بلاده.
في تلك الزيارة, تأمل أهالي بلدة ببنين العكارية خيراً. لكن حتى اليوم لا شيء سوى الوعود والإنتظار. وفيما خص اللاجئين السوريين الذين أوقفتهم السلطات القبرصية على متن الزوارق التي كانت تقل أيضا لبنانيين وعددهم حوالى 116، ترفض السلطات اللبنانية إعادتهم. الأمرالذي يضع اللاجئين بين نار البقاء في السجون القبرصية أو العودة الحتمية إلى سوريا.
بحسب الإتقافية الموقعة بين لبنان وقبرص، يتوجّب على السلطات القبرصية إعادة اللبنانيين الذين يدخلون أراضيها بطريقة غير شرعية، وهذا ما حصل مع عدد من المهاجرين اللبنانيين وذلك بعدما تبين من خلال التحقيق معهم أنهم لا ينتمون إلى عصابات تهريب البشر ولا صفة لديهم على زوارق التهريب غير الشرعية. أما السوريون من غير المتورطين فيتم وضعهم في مخيمات ليصار إلى ترحيلهم لاحقا إلى إحدى الدول الأوروبية. إلا ان المشهد في بلدة ببنين التي فرّ عدد كبير من أبنائها عبر زوارق التهريب يختلف.
مختار بلدة ببنين العبدة ورئيس إتحاد روابط مخاتير عكار زاهر الكسّار يؤكد لـ"المركزية" أنّه "ضدّ عاصفة النزوح غير الشرعي لكن من موقعه كمختار يجد نفسه مسؤولًا عن أبناء بلدته المحكوم عليهم بالسجن لدى السلطات القبرصية ويقف إلى جانب الأهالي لمؤازرتهم إنسانيًا، خصوصًا أنّ المهاجرين وحدهم يدفعون الثمن بسبب الوضع الإقتصادي والإجتماعي في لبنان الذي يدفعهم إلى الهجرة غير الشرعية على رغم المخاطر التي شهدوا عليها، إلا أن خياراتهم باتت محددة بين الموت جوعا أو غرقا في عرض البحر".
ويلفت الكسار إلى أنّ "وجهة غالبية المراكب غير الشرعية تكون إيطاليا حيث لا تتخذ السلطات أي تدابير قانونية، ومن هناك يتم ترحيلهم إلى ألمانيا". وفي ما خص الـ30 موقوفًا من بلدة ببنين في السجون القبرصية يؤكد أنهم ذهبوا على دفعات وقد أصدرت السلطات القضائية في قبرص أحكاما بحقهم قضت بسجنهم مدة 3 أو 4 سنوات علما أنهم مهاجرون عاديون وليسوا "مساعدي قبطان" كما أنهم لا ينتمون إلى عصابات الإتجار بالبشر. لكن ما يحصل في غالبية الأحيان أن بعض الأشخاص يركبون الزوارق من دون أن يدفعوا المبالغ التي يفرضها عليهم أصحاب الزوارق التي تعمل على خط التهريب غير الشرعي. فيطلب منهم القبطان أن يتولوا مساعدته في إنزال الركاب وتعبئة المازوت وسواها من الأعمال التي توكل إليهم كفدية كونهم صعدوا إلى الزورق بالمجان. وهذا ما حصل على الأرجح مع الأشخاص الذين تم توقيفهم وحكم عليهم بالسجن".
تصعيد الأهالي جاء بعدما لمسوا تقاعسًا من قبل السلطات اللبنانية لجهة القيام بأي مسعى لعودة أبنائهم خصوصا ان عائلات البعض تعيش ظروفا إنسانية صعبة ومنهم من توفى أحد أفراد عائلته من دون أن يلقي عليه نظرة الوداع بحسب المختار الكسار. ومع تفاعل القضية عُقد لقاء موسّع في بلدة ببنين، حضره عضو تكتل "الاعتدال الوطني" النائب وليد البعريني ومختارو البلدة الذين شدّدوا على ضرورة استعادة أبنائهم العالقين في قبرص، وأكد البعريني أنه على تواصل مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي، بحيث أرسل لهما لائحة مطوّلة بالأسماء لتتمّ المباشرة باستعادة العالقين، وطمأن الأهالي الى أنّ أولادهم سيعودون إلى لبنان، ومؤكدا متابعته الموضوع شخصياً".
وجود لبنانيين أو سوريين عالقين في قبرص لم يكن ناتجاً عن رحلة واحدة فقط، ولم يكن آخرها تلك التي دفعت 8 مراكب إلى مغادرة لبنان، وبقاء 5 منها في المياه القبرصية وعودة ثلاثة منها تدريجًا إلى الشواطئ اللبنانية، إلا أنّ اللاجئين الذين وقعوا ضحية مهرّب لبنانيّ ووسيط سوريّ، يُريدون العودة سريعاً إلى لبنان، خصوصاً وأنّ الكثير منهم لا يزال عالقاً منذ أكثر من سنة في بلدٍ غريب عنه، وعانى أقسى معاملة عند نقله. وتؤكد مصادر حقوقية أنّ خفر السواحل يُفضّل تركهم في المياه، في وقتٍ يُمكن أن تُواجه فيه بعض القوارب، أعطالاً تقنية تحول دون وصولها أساساً إلى السواحل القبرصية.
وفي وقت يتأمل أهالي الموقوفين من الرئيس القبرصي أن يصدر عفوًا عامًا عن أبنائهم وعودتهم إلى لبنان إلا أن الإجراءات المقرر اتخاذها في حال صدور قرار مماثل تأخذ الكثير من الوقت. ومن الإجراءات المتبعة إصدار جوازات سفر خصوصا أن الموقوفين خرجوا بطريقة غير شرعية "لكننا نتوقع التعاون من قبل مديرية الأمن العام ولدينا تجارب مماثلة ولقينا تجاوبًا".
في الإتصال الشهري الذي يسمح به للموقوفين مع أهاليهم مطلب وحيد، الإسراع في إخراجهم وإعادتهم إلى لبنان إضافة إلى الأموال."ونأمل خيرا من المساعي التي يقوم بها رئيس الحكومة والنائب البعريني وإذا لم تصل إلى خواتيم سعيدة فالمونة على الأهالي بالتزام الهدوء والصبر لن تفيد آنذاك" يختم الكسّار.
"جوانا فرحات - المركزية"
التعليقات على الموضوع