مشاريع الرحاب السكنية

لغز مومياء "السيدة الغامضة".. دراسة حديثة تكشف تفاصيل هامة ومثيرة!


 


وضعت دراسة حديثة حدًا لنقاش علمي استمر أربع سنوات حول مومياء “السيدة الغامضة”، وهي مومياء مصرية قديمة كان يُعتقد سابقًا أنها حامل وتعاني من السرطان.


واكتُشفت هذه المومياء لأول مرة في الأقصر، وأُرسلت إلى بولندا عام 1826، حيث ظلت تُصنف خطأً على أنها كاهن ذكر، حتى كشف تحليل أُجري عام 2021 أنها تعود لامرأة شابة تحمل جنينًا. كما أثارت الدراسة ذاتها شكوكًا حول إصابتها بسرطان البلعوم الأنفي.


إلا أن فحصًا جديدًا أجراه فريق دولي مكوّن من 14 باحثًا فند كلا الادعاءين، حيث أثبت أن ما كان يُعتقد أنه جنين لم يكن سوى جزء من عملية التحنيط، وأنه لا يوجد دليل قاطع على الإصابة بالسرطان. نُشرت هذه النتائج في مجلة Archaeological and Anthropological Sciences، بعد إعادة تحليل أكثر من 1300 صورة بالأشعة المقطعية للمومياء، مما وفر فهمًا أكثر دقة لحالتها.


في عام 2021، أعلن باحثو مشروع مومياء وارسو عن اكتشاف غير مسبوق، حيث زعموا أن مومياء “السيدة الغامضة” تحتوي على جنين يتراوح عمره بين 6.5 و7.5 أشهر. استند هذا الادعاء إلى صور الأشعة المقطعية التي أظهرت كتلة من المواد داخل بطن المرأة. ونظرًا لعدم العثور على عظام جنينية واضحة، افترض الباحثون أن حموضة رحم الأم قد أدت إلى تحلل الهيكل العظمي، مما أدى إلى “تمليح” الجنين بمرور الزمن.


لكن هذا الادعاء قوبل منذ البداية بالتشكيك، حيث تساءل العديد من المتخصصين عما إذا كان تحلل عظام الجنين في مثل هذه الظروف أمرًا ممكنًا علميًا. وجاءت الدراسة الجديدة لتنفي تمامًا هذا التفسير، حيث أثبتت أن الكتلة البطنية ليست سوى مواد تحنيط. وفي هذا السياق، كانت اختصاصية الأشعة وخبيرة المومياوات سحر سليم قد صرحت لموقع Live Science عام 2022 أن فريق وارسو “لم يحدد أي دليل على وجود هياكل تشريحية تبرر ادعاءهم بوجود جنين.”


ولتفنيد الفرضية الأصلية بشكل قاطع، ركز الفريق البحثي الجديد على نقطة أساسية: رغم أن الحموضة قد تؤدي إلى تحلل العظام في بعض الظروف، إلا أن سوائل التحنيط كانت ستعمل على تحييد هذه التفاعلات الكيميائية، مما يجعل من المستحيل علميًا أن يختفي الجنين بهذه الطريقة. وتبين أن ما اعتُقد أنه بقايا جنينية كان في الواقع أربع حزم منفصلة من مواد التحنيط، وُضعت داخل بطن المومياء كجزء من عملية الحفظ، وهو إجراء شائع في طقوس الدفن المصرية القديمة.


إلى جانب ادعاء الحمل، زعمت دراسة عام 2021 أن “السيدة الغامضة” كانت تعاني من سرطان البلعوم الأنفي، استنادًا إلى تشوهات غير عادية في جمجمتها. كان هذا الادعاء مذهلًا، إذ كان سيجعلها واحدة من أقدم الحالات المعروفة للإصابة بالسرطان في مومياء مصرية.


إلا أن البحث الجديد أثبت أن هذه التشوهات الجمجمية نتجت على الأرجح عن عملية التحنيط نفسها، وليس عن المرض. فمن المعروف أن إزالة الدماغ، وهي جزء أساسي من عملية التحنيط، كانت تتطلب اختراق الجمجمة لاستخراج الأنسجة الرخوة، وهو ما قد يفسر بسهولة الأضرار الهيكلية التي ظهرت في صور الأشعة المقطعية. ولم يتمكن أي من الخبراء الأربعة عشر المشاركين في الدراسة من العثور على دليل واضح يشير إلى نمو سرطاني، مما دفعهم إلى استنتاج أن التفسير السابق كان خاطئًا.


تسلط هذه الأخطاء التشخيصية الضوء على تحدٍ أوسع في دراسة المومياوات—وهو التمييز بين الأضرار التي تحدث بعد الوفاة، والتأثيرات الناجمة عن عملية التحنيط، والأمراض الحقيقية. وبينما تم تأكيد وجود السرطان في مومياوات أخرى، يشدد العلماء على ضرورة توخي الحذر عند تقديم مثل هذه التفسيرات، خاصة عند الاعتماد على التصوير الإشعاعي فقط دون تحليل الأنسجة بشكل مباشر.


إن حسم هذا الجدل لا يمثل مجرد تصحيح لسوء فهم علمي، بل يُعد درسًا حول تعقيدات تفسير البقايا الأثرية. فالمومياوات تخضع لتحولات كبيرة بعد الوفاة نتيجة للتحنيط، والظروف البيئية، وعوامل التحلل التي تمتد لقرون. ونتيجة لذلك، يتطلب التمييز بين الحقائق البيولوجية وتقنيات الحفظ تحليلًا دقيقًا للغاية.


لقد كشف الاهتمام الجماهيري الكبير الذي حظيت به قضية “المومياء الحامل” كيف يمكن للادعاءات المثيرة أن تنتشر بسرعة، حتى قبل التحقق منها بالكامل. فقد حظي بحث مشروع مومياء وارسو بتغطية إعلامية واسعة باعتباره اكتشافًا علميًا ثوريًا، لكن الأبحاث اللاحقة أبطلت نتائجه. ورغم أن عملهم استند إلى استقصاء علمي مشروع، إلا أن هذه القضية توضح مدى أهمية التحقق المتعدد التخصصات في دراسات المومياوات.


خلص الفريق البحثي الجديد إلى أن هذه الدراسة يجب أن “تحسم نهائيًا الجدل حول أول حالة حمل مزعومة تُرصد داخل مومياء مصرية قديمة، وكذلك النقاش حول احتمال الإصابة بسرطان البلعوم الأنفي.” وبدلًا من التركيز على حالات فردية قد تكون عرضة لسوء الفهم، يوصي الباحثون بتوجيه الجهود نحو أسئلة أوسع، مثل الصحة العامة للأمهات في مصر القديمة، للحصول على رؤية أكثر شمولًا للماضي.


ليست هناك تعليقات